ولدت جان دراك في قرية صغيرة بمقاطعة اللورين فى 6 كانون الثانى ( يناير ) عام 1412، لأم طيبة ولأب يمتلك حقلاً واسعاً يستغل جانباً منه في تربية الضأن،ويعهد إلى أبنائه وبناته بمهمة رعي الغنم، فكانت ابنته جان دارك صبية صغيرة ترعى الغنم وتميل إلى الصمت والعزلة، وذات يوم أوت إلى شجرة في الغابة في تلك الفترة كانت فرنسا تحت الاحتلال الإنجليزي، والأنباء تتواتر عما يعانيه الفرنسيون في باريس وبينما هي تفكر فيما آل إليه حال الوطن وما انتهى إليه مصير الوريث الشرعي، إذا بالشجر يشتد حفيف أوراقه والطيور تتجمع مبتهجة، ورفعت جان بصرها إلى أعلى الشجرة حينما سمعت صوتاً ينادي: جان,, جان,, لا تخافي,, كوني ابنة بارة, فستذهبين لنجدة ملك فرنسا .
ظل الصوت يتكلم معها ثلاث سنوات، مرتين أو ثلاث يومياً وهي تتكتم الأمر عن أبويها, ويرى البعض أن الصور والأصوات التي كانت تتراءى لها هي صورة منتزعة من شخصية جان دارك الباطنية التي لا تخضع للعقل الواعي, والكاتب الأشهر برنارد شو الذي كتب مسرحية عن جان دارك يلتمس تعليلاً لهذه الظاهرة الغريبة بأن لبعض الناس قدرة خاصة على تصور الأشياء تصوراً يكاد يجسمها لهم وهي غير موجودة، مثلما يستطيع البعض أن يقيم في ذهنه العديد من المسائل الحسابية المعقدة.
وأياً كان تفسير الظاهرة التي تعرضت لها جان دارك، التي تصل إلى حد أسطورى مبالغ فيه، إلا أنه من المؤكد أنها كانت فتاة تتسم برجولة غريبة، حيث ترتدي ملابس الرجال وتبدي شغفا بحياة الجندية وتجابه الخطر دون تردد أو خوف، لدرجة أنها تصدت لمجنون وخطفت منه بلطة يروع بها الناس.
هذه الفتاة التي تتمتع بروح الجندية والرجولة ظلت تتلقى أصواتاً مبهمة فترة من الزمن، ثم تلقت أمراً محدداً بالذهاب إلى الحاكم كي يزودها بالجند وبرسالة إلى ولي العهد نفسه حتى تنجز مهمتها الخطيرة وتحرر فرنسا! ولما رأى الحاكم أنها فتاة صغيرة في السابعة عشرة لاتزال، أوصى قريباً معها أن يضربها علقة جيدة تردها عن هذا الهذيان.
لكن الخبر ذاع وانتشر بين العامة وعاد الناس يرددون نبوءة العرافة مرلان بأن جان دارك هي الفتاة التي ستسترد فرنسا, ومرة أخرى ذهبت إلى الحاكم في لهجة غضب مقرونة بالألم تطالبه بألا يعصي الأصوات وأن يوفر لها الجند ويكتب رسالة إلى ولي العهد، وأنبأته أن جيش فرنسا هزم قرب أورليان كما أنبأتها الأصوات ، وبالتالي لا يجب تضييع الوقت,, ووعدها الحاكم أن ينفذ ما طلبت إذا صح النبأ، وحين جاء خبر الهزيمة بعد أسبوع لم يصدق الحاكم نفسه وأرسل عدداً من القساوسة إلى بيت جان لاختبار قواها العقلية، ولم يملك في نهاية المطاف إلا أن يكتب الرسالة ويمدها بخمسة وعشرين مقاتلاً.
وبالطبع تشكك ولي العهد في قدراتها أكثر مما تشكك حاكم الإقليم، وعرضها على القساوسة، كما استقبلها وهو متنكر بعد أن قدم لها شخصاً آخر على أنه ولي العهد، لكنها عرفته وأعطته الرسالة ونجحت في التأثير عليه فعينها قائداً عاماً لجيش فرنسا.
رغم محاولات بطانة السوء وعملاء الإنجليز للحيولة بين ولي العهد وجان دارك قائدة الجيش إلا أنها نجحت في كسب المعركة تلو المعركة وأسرت عدداً من قادة الانجليز، كما نجحت في استرداد أو رليان وحصن سان لو، وأعادت تتويج ولي العهد ملكاً على فرنسا, وقد يبدو أن مهمتها انتهت عند هذا الحد لكن جان واصلت معاركها لإجلاء الإنجليز نهائياً حتى سقطت جريحة وطالبت الملك بإعفائها من القيادة العامة، خاصة بعد أن أحبطها الملك ووقع بتأثير من بطانة السوء هدنة جديدة مع الإنجليز.
آنذاك تنازعت جان الجريحة رغبتان إما أن تطيع الأصوات أو ترضخ للملك, وحين أشارت عليها الأصوات أن تبقى في سان ديني طلب منها الملك أن ترافقه واضطرت للرضوخ للملك ومخالفة الأصوات مخالفة صريحة، فانقطعت عنها بدورها.
كانت جان حريصة على الطاعة العمياء للأصوات وحين خالفتها اضطرت أن تستأنف القتال خاصة مع جبن الملك ونزقه دون مشورة الأصوات ، التي ظهرت لها أخيراً وأخبرتها أنها ستقع في يد الإنجليز وعليها أن تتقبل محنتها بنفس راضية.
بالفعل سقطت جان دارك في الأسر واقتيدت إلى إحدى القلاع الانجليزية مكبلة بالاغلال حيث ظلت محبوسة خمسة أشهر، وحين حاولت الفرار من النافذة رغم معارضة الأصوات سقطت من على ارتفاع ستين قدماً فاقدة الرشد.
وبعد فترة من العلاج عقدت لها أشهر محاكمة في التاريخ، حيث اتهمت بالإلحاد والسحر والزندقة، وبعد جلسة مرهقة حكم عليها بالسجن المؤبد وكانت المحكمة قد أخذت عليها بشدة ارتداء زي الرجال وحذرتها من أن ترتديه مرة أخرى، لكن قيل إن جاك دارك وهي سجينة استطاعت الحصول على ملابس أحد الجنود وارتدتها، مما اقتضى إعادة محاكمتها مرة أخرى، وصدر الحكم بإعدامها حرقاً على خازوق بدعوى نكث عهدها بعدم العودة إلى ارتداء زي الرجال و كان ذلك فى 30 ايار ( مايو ) عام 1431 و كانت فى التاسعه عشر من عمرها فقط .
وكتب اللورد بركنهد في كتابه أشهر المحاكماتإن مصرع جان دارك سيظل إلى الأبد وصمة في جبين الفرنسيين ربما لأنها نصرتهم وهم خذلوها, فبعد عدة سنوات من رحيلها تقدمت أمها بالتماس إلى محكمة دينية بشأن التهم المنسوبة إلى ابنتها وظلت القضية سبع سنوات قبل أن تعلن المحكمة أن التهم باطلة وأن جان دارك في عداد الشهيدات، و في سنة 1455، قضت محكمة جديدة بأن حرقها كان خطأ، و أعلنت الكنيسة الكاثوليكية جان قديسة في سنة 1920، و تحتفل الكنيسة بعيد القديسة جان في يوم موتها، أي في الثلاثين من أيار/مايو من كل عام.
و قد أصبحت قصة جان دارك من أكثر القصص الملهمة في التاريخ، و كتبت عنها كتب و مسرحيات و قصائد قصصة مغناة كثيرة.
صلو من اجلى ضعفى