من أقوال الأب الروحاني المعروف بالشيخ
بخصوص التوبة
فمُ العفيفِ يتكلمُ بالطيباتِ، ويلذِّذ صاحبَه، ويُفرِّح سامعيه. مَن كان كلامُه مرتباً وعفيفاً، وهو طاهرٌ بقلبهِ، فهو ابنُ ميراثِ المسيحِ، ومن كان كلامُه بقلقٍ ومعكَّر بالحردِ، فهو شيطانٌ ثانٍ. فمُ الطاهرِ النفسِ يتكلمُ كلَّ ساعةٍ على خالقِهِ، ومن يسمعه يفرحُ ويقتدي به. فمُ الجاهلِ يفيضُ مرارةً، ويقتلُ صاحبَهُ، ويُسكِرُ الذين ينصتون له، وما أوفق ذلك اللقب الذي أعطاه له سليمان، إذ لقَّبه بالخنزير، يا ربُّ خلصني من لقائهِ.
من يترحم على إنسانٍ، فإنَّ بابَ الربِّ مفتوحٌ لطلباتِه في كلِّ ساعةٍ. ذو الإفراز، بكسرةِ خبزٍ يشتري لنفسِه الملكوتَ، ومن يفرق مالَه بغير إفرازٍ، فباطلٌ هو عمله. من يُكثِر كلامَه، ويرفع صوتَه، فهو ناقصُ الرأي. الذي يلطِّف كلامَه ويتماكر ليضرَّ فهو شيطانٌ ثانٍ. من يصنع صلحاً بين الحرودين، ابن الله يُدعى، ومن يسجس ويعكِّر ويوصِّل كلاماً شريراً من واحدٍ إلى واحدٍ، فهو رسولُ الشيطانِ، وهذا تبيده النار.
من يفرحُ بحسناتِ كلِّ الناسِ، تفيضُ عليه الحسناتُ من الربِّ، ومن يَحزن بصلاحِ حالِ الآخرين، فليس بعد ذلك من شرٍّ، وبسرعةٍ يكون انكساره. الذي يتوب عن سيئاته، ولا يعود إليها أيضاً، حتى ولو كانت قبيحةً سمجةً، أكثر من خطايا السدوميين، ويُظهر من أجلِها وجعَ قلبٍ وندامةً ودموعاً، وبالجملةِ يقطعُ منه كلَّ الشرورِ، فمن ساعتِه يُولدُ من الروحِ القدس، ويكونُ من أحباءِ الله الخصوصيين، وبدالةٍ يأخذُ طهارةً معتوقةً من خزي المجرمين، وتُعادُ إليه بتوليةٌ لم تتدنس البتة، ويُدعى زرعاً إلهياً لم يخطئ قط، ويقبل في قلبهِ عربوناً بثباتِ رجائهِ، وتعطيه الرحمةُ الأبويةُ ثقةً واتكالاً ونسياناً للخطيةِ بالكمالِ من قلبهِ كأنها لم تكن.
أيتها الرحمةُ الفائضةُ، ما أوفرك يا مَن أَعطيتِ لنا نحن الموتى بالخطايا رَحِماً مقدساً الذي هو التوبةُ، يلد بنينَ جدداً من عتقٍ، أطهاراً من أنجاسٍ، منيرين من مظلمين. من لا يعجب من رحمتِك يا ربنا؟ ومن لا يعترف لنعمتِك؟ يا من أتيتَ إلى الميلادِ لتلدنا من بطنِ التوبةِ على شبهك كشبه مريم والدتك. السُبح لك يا آب الكلِّ، يا من أعطيتنا أمًّا جديدة بالميلادِ الجديد، وإن كنا بصبوتنا قد تنجسنا بكل نتنٍ، لكنها تُجلِّي وتطهِّر، وتحسِّن، وتغطي تحت أطرافِها مثل المربية، أولئك الذين وُلدوا منها حتى يصلوا إلى عندك محبوبين وأحباء، ليكونوا آلهةً وملوكاً، بنينَ لربوبيتك.
وإن كنتَ يا أخي تقول: «كيف تقدرُ التوبةُ أن تجددَ الإنسانَ الذي قد تدنس وفسد بالخطيةِ؟» فأقول لك: «اذكر تكوينَه الأول، ومِن أيِّ شيءٍ صار، أعني من شيءٍ حقيرٍ وسمجٍ في البطنِ الضيقِ المظلمِ، وكما رَكَّبت نعمةُ إلهنا المادةَ المنتنةَ في البطنِ المظلمةِ مكملةً تكوينَه، وأخرجته إلى نورِ هذا العالمِ. كذلك الذي أفسدَ طهارتَه بعد المعموديةِ بفعلِ الشيطانِ، واتسخ بجميعِ جراحاتِ الخطيةِ النجسةِ، بالميلادِ من حِضْنِ التوبةِ الكئيب المظلم، يخرجُ لنورِ عالمِ الروح، الذي أخذ سرَّه بالمعموديةِ المقدسةِ».
اذكرونى فى صلواتكم