ميلانيا الصغرى القديسة والشريف بنيانوس
زواجها من أحد الأشراف كانت فتاة مملوءة بالحكمة والمعرفة السمائية، وقد ألزمها والدها على الزواج برجل من أشراف روما، إذ كانت تشتاق إلى حياة البتولية. حفظت في قلبها كلمات جدتها الأميرة ميلانيا الكبرى (المذكورة سابقًا). إذ انتهت صلوات الإكليل المقدس في وسط فرح الأسرتين انصرف الأهل والأصدقاء. دخلت مع عريسها إلى مخدعهما، ووقفت ميلانيا تصلي بينما كان العريس ينظر إلهيا عسى أن تنتهي من صلاتها. امتدت صلاتها إلى ساعة متأخرة من الليل. تقدمت العروس نحو عريسها بنيانوس، وبروح هادئة وفي حياء شديد قالت له: "إن كنت تريد أن تحيا معي في حياة العفة سأعتبرك زوجي وسيدي طول حياتي، ولكن إن كنت لا تستطيع لأنك صغير السن، فخذ كل ما لي ودعني حرة، لأني بهذا أرث اسم جدتي". إذ لم يكن يتوقع بنيانوس هذا الأمر أُصيب بصدمة شديدة، بحكمة أخفى مشاعره وبدأ يناقشها في الأمر، موضحًا لها أن الزواج سرّ مقدس. وأنه لن يعطل العبادة. كشفت له عن ضغط والدها عليها للزواج، وأنها قد وضعت في قلبها حياة البتولية وتكريس قلبها ووقتها وإمكانياتها لحساب عريسها السماوي. ولما تناقشا في الأمر طويلاً أمال الله قلبه إلى رأيها، وألهب الروح القدس أعماقه بنار الحب الإلهي. فزهد أموال العالم وعاش في حياة مقدسة. وكانت ميلانيا قد تزوجته وهي في سن الثالثة عشر فقط، وعاشت معه سبع سنوات هكذا في عفة. خدمتها كانت ترسل أموالاً إلى كنائس مصر وإنطاكية وفلسطين. وجعلت عبيدها في منزلة اخوتها وأطلقت من أراد منهم المضيّ. وباعت أملاكها في أسبانيا وفرنسا وصقلية وأعطتها للأديرة والمحتاجين، وكما كانت تقول حتى لا تتحمل عبء هذه الثروات الثقيل. التحقت ميلانيا الصغرى بأحد الأديرة وعاشت كأبسط راهبة في حياة نسكية وزهد مع حرارة الروح والسهر في الصلاة. كانت تأكل طعامها كل خمسة أيام، ولكن من أجل كل النساء اللواتي كسبتهن للمسيح كانت تأكل معهن كل يوم مرة. الراهب بنيانوس نما زوجها في الحياة النسكية وسكن مع حوالي ثلاثمائة راهبًا في دير أنشأه، وكان مداومًا على قراءة الكتب المقدسة وعمل بيديه في البستان، وتمكن من اكتساب رجل يدعى باخوميوس من عائلة كبيرة للمسيح، وزع من أمواله على الفقراء وأوصى بالباقي للمحتاجين بعد موته. هكذا عاشت ميلانيا وزوجها في حياة سعيدة. بستان القديسين، صفحة 41.