وسط زحمة الحياة و مشاغلها و ضوضوئها و اهتماماتها الكثيرة ما أجمل أن يتفرغ الإنسان - و لو قليلاً - للجلوس مع الله ، فى جو التأمل ، و الصلاة ، و انفتاح القلب على الله 00
هنا يلجا الإنسان إلي السكون والهدوء 00لأن الحديث مع الله ، يليق به الإنفراد بالله 000
من أجل هذا نقل الله ابانا إبراهيم من و طنه ، و من بين أهله و عشرته ، إلى الجبل ، إلى حيث ينفرد فى خلوة مع الله 00 هناك يبنى المذبح 00 و فى خلوة على الجبل المقدس ، قضى موسى أربعين يوماً مع الله ، أخذ منه الناموس و الوصايا ، و أخذ المثال الذى على نسقه بنى خيمة الإجتماع 0
و فى خلوة على الجبل ، كان السيد المسيح يلتقى بتلاميذه ، و أحياناً كان يأخذهم إلى موضع خلاء 00 كلمة الله ، يليق بها السكون و الهدوء 00 و على جبل الكرمل ، فى الهدوء ، تدرب إيليا النبى 0 و فى البرية ، مدى ثلاثين عاماً ، تربى يوحنا المعمدان 0
و فى الهدوء و السكون ايضاً ، تدرب أعضاء مدرسة الأنبياء 0
و لم يصر موسى نبياً ، و لم يختره الرب للقيادة ، إلا بعد أن قضى فى البرية اربعين سنة ، فى السكون ، بعيداً عن قصر فرعون و ضوضائه و سياساته 00
و السيد المسيح نفسه ، على الرغم من السكون غير المحدود الكائن فى أعماقه ، و على الرغم من صلته الأزلية الدائمة بالآب ، لكى يعطينا مثالاً ، لم يبدأ خدمته العلنية إلا بعد أربعين يوماً قضاها وحده فى الجبل ، فى حياة السكون ، مع الآب 00
و كان الجبل ، له موقعه و موضعه ، فى حياة الرب 0 و ما أجمل قول الكتاب فى ذلك " مضى كل واحد إلى بيته 0 أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون " ( يو 8 : 1 ) 0
و كان بستان جسيمانى مكان هدوء و سكون للمسيح 0 يقضى فيه فترات من الخلوة ما أعمقها 0
و كانت مريم أخت مرثا مثالاً لحياة السكون ، فى جلستها الهادئة عند قدمى الرب بقوله " أنت تهتمين و تضطربين لأجل أمور كثيرة و الحاجة إلى واحد " 00
ليتك إذن تبحث عن مركز السكون فى حياتك ؟
و هل أنت تهتم و تضطرب لأجل أمور كثيرة 00 و متى تهدأ إلى متى ؟
قد تكون إبناً لله ، و خادماً فى الكنيسة ، وموظباً على أعمال روحية ، و مع ذلك فأنت واقع تحت وطأة الحزبية ، و خاضع لمشاعرها 00 !
و الحزبية هى أن تهاجم البعض ، بلا معرفة ، و بلا تفكير ، وربما بلا أسباب 00 ! بينما تؤيد البعض و تدافع عنهم ، بنفس الأسلوب ، بلا معرفة ، بلا تفكير، بلا أسباب 00!
الحزبية فيها بولس و أبولس ، الأمر الذى انتقده الرسول ، ووبخ عليه أهل كورنثوس ( 1كو 3 : 3 ، 4 ) " لأنه متى قال واحد أنا لبولس ، آخر و أنا لأبولس ، ألستم جسديين و تسلكون بحسب البشر " 00
الحزبية لا تتفق مع روح المحبة 00
لأن الشخص الذى تنتقده و تهاجمه و تقف ضده ، قطعاً لا تحبه 00 و " المحبة لا تقبح ، و لا تظن السوء " ( 1كو 13 )
و الحزبية لا تتفق مع الحق و العدل 00
إذ غالباً ما تكون المهاجمة فى نطاق الحزبية ، ليست كلها صدقاً و لا عدلاً 00 على الأقل فيها لون من المبالغة ، أو لون من التجنى 0 مبعثه حقد داخل القلب 00
و الحزبية لا تبنى ، بل تهدم 00
إنها نفتت القوى ، و يفرق الشمل ، و تستخدم كل الطاقات فى غير مجالها الطبيعى 00 تضيعها فى المشاحنات و الأنقسام ، و فى النقد و النقض 0
الحزبية ضد وحدة الفكر 00
و هى تجسيم للذات ، أو للروح القبلية 00 و لا تتفق مع حياة الكنيسة المقدسة التى قيل عن أبنائها " كان الجميع معاً بنفس واحدة " ( أع 4 : 32 ) 0
و هى ضد و صية الرسل فى قوله " مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل 00 لكى تكونوا جسداً واحداً وروحاً واحداً ، كما دعيتم إلى رجاء دعوتكم الواحد ، رب واحد ، إله واحد ، معمودية واحدة " ( أف 4 ) 0
و الحزبية قد تأخذ روح التنافس أو المعارضة بالنسبة إلى الآخرين ، وروح الإفتخار بالنسبة إلى الذات 00
و قد تأخذ مظهراً من مظاهر ( عبادة الأبطال ) ، أو الإنتمائية العامة 00 و يصبح كل ما هو أمامك : مجموعتنا ، جمعيتنا ، فرعنا ، كنيستنا ( على مستوى الحى ) ، بلدنا ، قريتنا
قال أحد القديسين :
لو اجتمع عشرة آلاف من الملائكة ، لكان لهم رأى واحد ، للأسف حينما يجتمع عدد قليل من البشر ، فإنهم يختلفون ! 00
و الإنقسام قد يكون دليلاً على وجود الذات 00
الذات التى تعمل وحدها ، بعيداً عن روح الله 00 و التى لا تبالى بالنتائج الخطيرة التى يسببها الإنقسام ! و ما هى هذه النتائج ؟ 00 قال أحد الأدباء :
تنازع نسران على فريسة ، كانت من نصيب الثعلب 00 و لهذا قال السيد المسيح " كل بيت منقسم على ذاته يخرب " ، إنها عبارة ينساها المنقسمون 0
كثيراً ما تقوم جماعة بعمل إنقسام ، تترك الجو خراباً ، ثم تمضى لحاله ، و كأنها لم تفعل شيئاً ! بينما يطالبها الله بدم ما قد خربته بأفعالها 00 الإنقسام بين الأخوة يدل على عدم محبة 00
وانقسام الصغير على الكبير يدل على التمرد ، وعدم الطاعة ، و عدم احترام الرئاسات 00 و كلها خطايا 0
و كما قد يدل الإنقسام على كبرياء فى النفس ، أو اعتداد بالذات 0 و غالباً ما يكون أب الإعتراف خارج الدائرة فى كل هذا ، لا يستشار فى شئ 00
فى رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس ، وبخهم على الإنقسام ، ووصفهم بأنهم جسديون ( 1كو3 ) 0 ذلك لأن المنقسمين بعيدون عن وحدانية الروح 0
إن أعضاء الجسد الواحد تتعاون معاً لخير الذى يتعاون فيه الكل معاً 0
و الواحدانية تحتاج إلى احترام الرأى الآخر ، أو على الأقل التدريب على التعامل مع الرأى الآخر ، دون ثورة ، و دون غضب ، ودون تشير ، و دون تحطيم 00
نصيحة نقولها لكل من يسير فى طريق الإنقسام :
حاول أن تكسب غيرك ، بدلاً من انقسامك عليه 0
كن موضوعياً ، و ابعد عن المسائل الشخصية 0
درب نفسك على التعاون وروح الجماعة 00
الذى يحب أن ينتفع ، يبحث عن المنفعة ، و ليس الكلام الكثير هو الذى ينفعه بل إن مجرد كلمة واحدة قد تغير حياته كلها 00 بل أنه ينتفع أيضاً من الصمت ، كما قال القديس بفنوتيوس عن أحد ضيوفه : " إن لم ينتفع من سكوتى ، فمن كلامى ايضاً سوف لا ينتفع "
عبارة واحدة سمعها الأنبا أنطونيوس ، كانت سبباً فى رهبنته ، و فى تأسيس هذا الطقس الملائكى 0 و عبارة أخرى كانت سبباً لدخوله فى البرية الجوانية و حياة الوحدة 0 إن الله لا يشترك أن يعلمك بكلام كثير ، إنما تكفى عبارة واحدة ، و الوصايا العشر عبارات قصيرة ، و لكنها تحمل كل التعليم 0
و الصلاة الربانية عبارات قصيرة و تحمل عمق طلبات الصلاة و الذى يحب أن ينتفع ، يسعى و تحمل عمق طلبات الصلاة 0 و الذى يحب أن ينتفع ، يسعى وراء المنفعة بأى ثمن
كان السواح يتحملون أسفاراً طويلة ، لكى يسمعوا مجرد كلمة من أحد الآباء ، و الآباء أنفسهم كانوا ينتفعون ، من أى منظر ، أو حتى من أبنائهم 0
إن الذى يطلب الخير يجده 00
و لو فى كلمة عابرة ، من أى أحد ، و لو فى حادث عابر ، حدث له أو لغيرة 0 ينتفع حتى من أخطائه ، و من أخطاء الناس
قال أحد القديسين " لا أتذكر أن الشياطين أطغونى فى خطية واحدة مرتين " ذلك لأنه انتفع من سقطته الأولى ، فاحترس من الثانية 00
و السيد المسيح دعانا أن ننتفع من منظر زنابق الحقل ، و من طيور السماء ، و نأخذ منها دروساً فى الإيمان و فى رعاية الله 0
إن مصادر المنفعة موجودة : ليست فى كلام الوعاظ فقط ، و لا فى الكتب الروحية فحسب ، و إنما فى كل مكان ، و فى كل وقت 0 و المهم هو : هل تريد أن تنتفع أم لا 0
و صوت الله يصل إلى كل أحد ، بأنواع و طرق شتى 0 و لكن " من له أذنان للسمع فليسمع " 0
قال الكتاب " ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة "
إن الذى يعمل عمل الرب ، يجب أن يكون " أميناً حتى الموت " فالأمانة شرط أساسى للخدمة
بهذه الجدية كرز الرسل باسم المسيح ، و كانوا يكرزون " بكل مجاهرة و بلا مانع " و بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة 00 و نعمة عظيمة كانت على جميعهم " ( أع 4 : 33 )
و نتيجة لهذا العمل الجاد ، الأمين ، المخلص ، انتشر الملكوت 0 أنظر ما يقوله الرب لملاك كنيسة أفسس : " أنا عارف أعمالك و تعبك و صبرك ، و قد احتملت ، و لك صبر ، و تعبت من أجل إسمى و لم تكل " ( رؤ 2 )
العمل الجاد يبنى على الإيمان 000
كلها كان إيمانك بعملك و أهميته و خطورته ، إيماناً حقيقياً كاملاً ، على هذا القدر تكون جديتك فى عملك 0 و الرخاوة فى العمل دليل على عدم الإيمان بأهميته 00
و العمل الجاد يدل على إحساس بالمسئولية :
تماماً كما كان يعمل يوسف الصديق فى خزنه للحنطة ، شاعراً أن حياة كثيرين تتوقف على أمانته 00
و هكذا فى الخدمة الروحية : حياة كثيرين تتوقف على أمانة الخادم إن أهمل فى خدمتهم ضاعوا 0
العمل الجاد عليه رقابة من داخل النفس 00
رقابة من ضمير الإنسان 0 و من صوت الله فى داخله 0 رقابة من شعوره الحى ، و من غيرته المقدسة 00 إنه يعمل بجدية لأن " الوقت مقصر " و كل دقيقة لها حسابها ، و كل تأخير أو تراخ ، له خطورته 00
و العمل الجاد هو دائماً عمل ناجح 00
إنه عمل متقن ، لأن الجدية تتقن العمل 00 و العمل المتقن عمل ناجح 0 و قيل عن الرجل البار : " و كل ما يعمله ينجح فيه " 00
و العمل الجاد ، لا يهدأ حتى يتم 00
إنه لا يعترف بالتعب ، و لا يطلب راحة 00 و لا يستريح صاحبة حتى يتممه ، و يذوق ثماره 00 مثل لعازر الدمشقى الذى لم بسترح حتى أخذ رفقة زوجة لابن سيده ، و لما أرادوا إراحته أجاب " لا تعوقونى " 00
ظن إيليا النبى فى وقت ما ، أنه الوحيد الذى يعبد الرب ، و قال له " و بقيت أنا وحدى لأعبدك " ، فرد عليه الرب أنه توجد سبعة آلاف ركبة لم تنحن للبعل 0
ما أخطر الشعور ، بأننا الوحيدون الذين يعبدون الرب ، أو الوحيدون أصحاب المبادئ !!
و ننسى أنى هناك 7000 ركبة ( و هى مضاعفات عدد كامل ) تعبد الرب ، و نحن لا نعرف
هناك من يدينون الجيل كله ، و يحكمون على كل الشعب بالضياع و الفساد !! و ينسون هناك مختارين للرب ، قد لا يعرفونهم ، و لكن الله يعرفهم 0
كان الكتبة و الفريسيون يظنون أنهم هم وحدهم ، حفظة للناموس ، و هم وحدهم المدققون فى أمور الشريعة ، لذلك أصيبوا بالكبرياء و عجرفة القلب و التعالى على الآخرين ، و صاروا يدينون غيرهم و يصفونهم بأنهم خطاة حتى السيد المسيح نفسه ، إتهموه بأنه كاسر السبت ، و ناقض الناموس ، وانتقدوه لأنه كان فى اتضاع يجلس مع العشارين و الخطاة 0
لما حورب الأنبا أنطونيوس بالبر الذاتى ، و ظن أنه وحده الراهب ، أرسله الله إلى حيث القديس الأنبا بولا السائح ، ليريه أن هناك من هو أفضل منه ، و إن كان من ال 7000 ركبة غير الظاهرين 00
و لما حورب القديس مكاريوس الكبير بنفس الحرب ، أرسله الله إلى إمرأتين متزوجتين فى الأسكندرية ، قال له إنهما فى نفس درجته الروحية ، أى أنه ليس وحده 00 و هاتان كانتا من ال 7000 ركبة المخفية 00
ما أصعب هذه الخطية ، أن يظن إنساناً أنه هو وحده الخادم الأمين ، هو وحده الذى يصلح للقيادة و الرئاسة ، و ليس غيره !
إن المحب يفرح بوجود كثيرين مثله ، أو حتى أفضل منه 00 كما قال موسى " ياليت جميع شعب الله أنبياء " 00 أما محب ذاته ( فى أنانية ) فإن هذا الأمر يتعبه ، أو على الأقل
لا يفرحه 00 ! يظنها منافسه له ، لأنه لا يهتم بما لله ، بل بما لنفسه 00 !
1-هناك أحلام من الله
مثل الأحلام التى ظهرت ليوسف النجار ، و للمجوس ، قيل له فى حلم أن يأخذ الطفل و أمه و يمضى إلى مصر 0 و قيل لهم فى حلم أن يرجعوا من طريق آخر 0 و كذلك الأحلام التى رآها أو التى فسرها يوسف الصديق أو دانيال النبى : و كلها أحلام موجهة ، أو منبئة بشئ يحدث فى المستقبل 0
2-و هناك أحلام من الشياطين :
يخدعون بها الإنسان و يضللونه ، ليسير فى طريق خاطئ أو يزعجونه بأحلام معينة 0 و قد ورد فصل طويل فى بستان الرهبان عن أمثال هذه الأحلام 0
3-و هناك أحلام من ترسيبات العقل الباطن :
فكل ما تراه ، و ما تسمعه ، و ما تقرؤه ، و ما تجمعه الحواس من كافة المصادر ، و ما يجمعه الفكر 00 كل ذلك يترسب فى عقلك الباطن ، و يختزن هناك 00 و يخرج و لو بعد سنوات ، فى هيئة أفكار أو ظنون و أحلام 00
و هذا وضع طبيعى جداً
و قد يخرج هذا الرصيد من عقلك الباطن ، صور متغيرة 00 قد تختلف الأسماء ، أو الأزمنة ، أو الأماكن ، أو بعض التفاصيل ، و لكنها تقدم معنى راسخاً فى داخلك ، كان يكمن كشريط تسجيل
4-و هناك أحلام هى انعكاس لوضع جسدى :
كإنسان نام و هو مرهق ، يدق إلى جواره جرس منبه ليوقظه ، و هو لا يريد الإستيقاظ ، فيحلم بأنه جالس إلى جوار تليفون ، جرسه يدق0
و الإنسان الحكيم لا يسمح للأحلام بأن تقوده 0
و لا يصدق كل حلم ، و لا يعتبر كل حلم صادراً من الله 0 لأنه لو عرفت الشياطين بأنه يصدق الأحلام ، تظهر له فى أحلام كاذبة ، لكى تضلله 0
و الأحلام الشريرة لها أسباب كثيرة 00
بعضها جسدى ، و بعضها نفسى ، و بعضها حروب من الشياطين 0 و منه الأفضل أن الإنسان لا يعاود التفكير فيها حينما يستيقظ ، لئلا يكون تفكيره هذا سبباً فى تثبيتها ، و فى أحلام أخرى 00
كثير من الناس يهوون نشر أفكارهم الخاصة ، و تقديم هذه الأفكار كمبادئ روحية للناس ، أو كعقائد يجب الإيمان بها 00
و كلما كانت هذه الأفكار جديدة و غير معروفة ، نريد هذا من سرورهم ، و يفرحون إذا عرفوا سيئاً جديداً يقدمونه للناس يجعلهم فى نظرهم من أهل العلم و المعرفة !
و كلما كان هذا الجديد مختلفاً تماماً عما يعرفه الناس و يعتقدونه ، نرى هؤلاء المفكرين يفرحون بالأكثر ، كما لو كانوا يحطمون مفاهيم عامة خاطئة ، لكى يقيموا على اساسها الجيد السليم ! 00
و هذا الأمر إذا صلح فى أى لون من ألوان المعرفة ، فهو لا يصلح فى العقيدة ، التى لا تحطم إيماناً قديماً تبنى على أنقاضه إيماناً جديداً
العقيدة كلما كان لها قدم ، كانت أكثر رسوخاً 00
و الجديد فى العقيدة قد يكون بدعة ، إذا ما كان يحطم إيماناً قديما مسلماً لنا من الآباء 0
لذلك فإن المعجبين بفكرهم الخاص ، يحاولون بكافة الطرق أن يبحثوا له عن اصول قديمة تسنده 00 و إن لم يجدوها ، يختلقونها اختلافاً !
هؤلاء لا يقرأون أقوال الآباء ، لكى بفهموا فكرهم 00 إنما يقرأون لكى يتصيدوا نصاً ، أى نص ، يسندهم 00
يقتطعون هذا النص اقتطاعاً ، فاصلين إياه عما قيل قبله ، و عما قيل بعده ، و عن المناسبة التى قيل فيها ، و عن الفكر العام للأب الذى أخذوا عنه 00 و يتخذون هذا الإقتباس وسيلة لإثبات فكرهم 0 و قد توجد من كتابات القديس الذى نقلوا عنه ، أقوال تناقض ما ينسبونه إلية00
إنهم لا يبحثون عن الحقيقة ، إنما يبحثون عن إثبات لفكرهم ، مهما كان هذا الإثبات مصطنعاً و مغلوطاً
أما أنت أيها المبارك ، ففى أمور العقيدة ، لا تحاول أن تنشر فكراً خاصاً ، إنما أنشر عقيدة الكنيسة 00
و كل فكر جديد يصل إلى مفاهيمك ، لا تعرضه على الناس ، إنما اعرضه على المسئولين فى الكنيسة 00 لإبداء رأيهم فيه ، قبل نشره 0
إن التعليم فى الكنيسة ليس مجالاً لعرض الأفكار الشخصية ، إنما هو مجال للتعليم الواحد الذى يستمد أصوله من التقليد الرسولى ، بإيمان واحد للجميع 00
تحدث بطرس الرسول عن " الروح الوديع الهادئ ، الذى هو قدام الله كثير الثمن " ( 1بط 3 : 4 ) 0 و نصحنا بولس الرسول بهذا الهدوء ، فقال : " إحرصوا أن تكونوا هادئين "
( 1تس 4 : 11 )
و الهدوء على أنواع كثيرة ، منها هدوء الأعصاب 00
الأعصاب التى لا تسرع إلى الغضب ، و لا تثور بسرعة ، و لا تحتد ، بل تعالج المشاكل فى هدوء ، و بالجواب اللين تصرف الغضب ، كما قال الحكيم 0
قال الكتاب " أما الأشرار ، فكالبحر المضطرب ، لأنه لا يستطيع أن يهدأ ، و تقذف مياهه حمأة و طيناً 0 لا سلام قال الرب للأشرار " ( أش 57 : 20 ) 0
و من أنواع الهدوء أيضاً ، هدوء القلب 00
فقد يتحكم إنسان فى إنفعالاته الخارجية بينما يكون قلبه من الداخل فى ثورة 0 أما الهادئ الحقيقى ، فإنك تراه هادئا من الخارج ، و من الداخل أيضاً 0
و هدوء الفكر ، يساعد عليه هدوء الحواس 0
من أجل هذا سعى آباؤنا إلى حياة السكون ، شاعرين أنه بهدوء الجسد يقتنى هدوء النفس
ما أجمل قول الكتاب عن فائدة الهدوء : " لأنه هكذا قال الرب 00 بالرجوع و السكون تخلصون ، بالهدوء و الطمأنينة تكون قوتكم " ( أش 30 : 15 ) 0
ليتنا نحرص أن نحيا فى هدوء ، و نطلبه من الرب 0
لا يكفى أن يكون العمل الذى نعمله خيراً فى أهدافه و إنما يجب أن تكون الوسيلة التى نعمله بها ، و سيلة خيرة و طيبة 0
العنف مثلاً ، و الشدة الزائدة ، و القسوة ، ليست كلها وسائل طيبة للتربية ، أو للحصول على النظام أو الطاعة 0
إنما كثيراً ما تكون وسائل منفرة ، و لا تصلح لكل أحد 0 و يمكن أن يصل الإنسان إلى غرضه بغير عنف و بغير قسوة ، و بوسائل طيبة 00
و الشتيمة أيضاً ليست وسيلة روحية للرد على من يخالفك فى الإيمان ، أو يخالفك فى الرأى 0
إنك بهذا الوضع تخسر من تناقشه 0 و إن كنت كاتباً أو مؤلفاً ، تخسر قارئيك أيضاً 0 و الوضع السليم أن يكون الإنسان موضوعياً فى مناقشة الأمور الإيمانية و العقيدة ، بدون شتائم و إهانات ، لأنه " لا شتامون يدخلون ملكوت السموات " ( 1كو 6 : 10 )
و الهدم ، و الإنتقاد المر ، و محاولة تحطيم الآخرين ، ليست وسائل طيبة للتعبير عن الغيرة المقدسة 0
فالغيرة يمكن التعبير عنها بوسيلة إيجابية بناءة ، تعالج الأمور فى روية ، و فى موضوعية ، و فى دراسة هادئة ، و تقديم حلول مقبولة ، و فى نفس ً الوقت فى محبة 0 لأن الكتاب يقول " التصر كل أمور كم فى محبة " ( 1كو 16 : 14 )
و الإنقسام ليس وسيلة طيبة للعمل الكنسى ، و لا حتى للعمل الإجتماعى أو الوطنى 0
الإنقسام يسبب ضعفاً فى الصفوف ، و هو دليل على عدم التعاون ، و عدم القدرة على معاملة الرأى الآخر ، أو هو برهان على الفشل فى إقناع الطرف الآخر أو فى كسبه 0
و الكتاب يقول " رابح النفوس حكيم " ( أم 11 : 30) 0 إن الحكيم يختار وسيلة طيبة لعمله الطيب 0
لأن الوسيلة الخاطئ ة فيها تناقض مع العمل الطيب0
و العمل الطيب ، إذا كانت وسيلته غير طيبة ، يكون شركة من النور و الظلمة ، و خليطاً من البر و الخطيئة ، و لا يدل على أنه عمل روحى 0 فلتكن وسالتنا طيبة و هادئة وروحية ، أو على الأقل فلتكن غير معثرة و لا خاطئة
هناك فضائل جزئية ، يتعب الإنسان جاهداً ، حتى يصل إليها و هناك فضائل أمهات ، تشمل العديد من الفضائل داخلها ، و عن هذه نريد أن نتكلم
فى مقدمة هذه الفضائل : المحبة 00
و قد قال السيد المسيح عن هذه الفضيلة ، إنه بها يتعلق الناموس كله و الأنبياء 0 و شرح بولس الرسول للعناصر العديدة التى تتضمنها فضيلة المحبة : فقال أنها تتأنى ، و تترفق ، و أنها لا تحسد ، و لا تتفاخر ، و لا تنتفخ ، و لا تقبح ، و لا تطلب ما لنفسها ، و لا تحتد ، و لا تظن السوء ، و لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق ، و تحتمل كل شئ ، و تصدق كل شئ ، و ترجوا كل شئ ، يصبر على كل شئ 00 و لا تسقط أبداً ( 1كو 13 ) فالذى يقتنى المحبة ، يقتنى كل هذه الفضائل 0
وكل ما ذكره بولس الرسول هو من محبتنا للقريب 00 أما محبتنا لله ، فإنها تشمل و لا شك أموراً عديدة :
تشمل الصلاة بكل درجاتها ، التأمل ، و الهذيذ ، و قراءة الكتاب المقدس ، ومحبة الكنيسة ، و محبة الأسرار الكنسية ، و الإجتماعات الروحية ، و الصوم ، و المطانيات 00 كما تشمل أيضاً إطاعة جميع الوصايا ، لأن الرب يقول " من يحبنى يحفظ وصاياى" 00
و من الفضائل الأمهات أيضاً : حياة التسليم 00
و حياة التسليم معناها أن يسلم الإنسان حياته تسليماً كاملاً للروح القدس العامل فى قلبه ، ليدبر حياته 00 ومن هنا تظهر فى هذا الإنسان ثمار الروح التى شرحها بولس الرسول فى ( غل 5 : 22 ) فقال : و أما ثمر الروح فهو محبة ، فرح ، سلام ، طول أناة ، لطف ، صلاح ، إيمان ، وداعة ، تعفف 00
و من الفضائل الأمهات : فضيلة الإتضاع 00
و الإنسان المتضع ، يقتنى الوداعة ، و الهدوء ، و البعد عن الغضب ، و إدانة الآخرين ، و البعد عن القسوة 00 و يشمل الإتضاع إنسحاق القلب ، و لوم النفس ، و فضيلة الدموع ، و الحب ، و مباركة كل أحد ، وطلب بركة كل أحد ، و الإستماع أفضل من التكلم ، و عدم التعالى ، و عدم الإفتخار ، و عدم الحديث عن النفس ، و الرضا لكل شئ ، و القناعة ، و الشكر ، و البساطة 00
الذى يريد أن ينتفع ، يمكنه أن ينتفع من كل شئ ، و من كل شخص ، و من كل حدث 0
إنه يستخرج الفائدة من كل ما يمر به
يستفيد من الصالح ، و يستفيد أيضاً من الشرير 00
من الشخص الصالح يأخذ قدوة صالحة ، و يأخذ حباً و معاملة طيبة و من الشخص الشرير ، يمكنه أن يقتنى فضائل الصبر و الإحتمال و المغفرة للمسيئين 00 كما يمكن تعلم الفضيلة
من معرفة مضار و مساوئ الرذيلة التى تقابلها 00 قال أحد الحكماء : تعلمت الصمت من الثرثار 00 أى أنه من إدراك مساوئ الثرثرة ، أمكننى أن أعرف مدى فائدة الصمت فى إتقاء هذه الأخطاء 00
يمكننا أن نتعلم من ~أخطائنا ، و من أخطاء الآخرين 00
و الحكيم يعرف كيف يستفيد من الخطأ ، فلا يعود يقع فيه مرة أخرى 0 و يأخذ من الأخطاء خبرة فى حياته 0 و الإنسان الكثير الخبرات هو مصدر من مصادر المنفعة
الذى يريد أن ينتفع ، يمكنه أن ينتفع ليس من الأشخاص الذين يقابلهم فقط بل من الطبيعة أيضاً 0
قال الحكيم : تعلم من النملة أيها الكسلان 0 إنه لأمر جميل حقاً ، أن تكون النملة مصدراً من مصادر المنفعة بالنسبة إلينا 0
و كما ننتفع من الطبيعة ، يمكننا الإنتفاع من الأحداث
سواء الأحداث التى تحدث لنا أو لغيرنا ، كلها دروس نافعة فى الحياة ، لمن يحب أن يعتبر
إن قصة الغنى الغبى ، كانت دروساً لكثيرين 00 و كل قصص الكتاب أيضاً و أحداثه هى أيضاً دروس ، كذلك قصص و أحداث التاريخ ، كما قال الشاعر :
و من وعى التاريخ فى صدره 00 أضاف أعماراً إلى عمره 0
إن الإنتفاع ، ليس مصدره الوحيد الآباء الروحيين 0
مادام القلب يبحث عن المنفعة ، فإن الله لابد أن يرسل هذه المنفعة بأنواع و طرق شتى 00
يرمز الصليب إلى الألم 0 و الصلبان الثلاثة ترمز إلى ثلاث حالات صليب المسيح يرمز إلى الألم من أجل البر 0 و الصليبان الآخران يشيران إلى الألم بسبب الخطية كعقوبة 0 و ينقسمان إلى نوعين 0 نوع يتألم بسبب خطاياه ، فيتوب و يرجع 0 و الآخر يتألم بسبب خطاياه ، و لكنه يشكو و يتذمر و يموت فى خطاياه 000
والصليب الذى لأجل البر ، هو أيضاً على أنواع : منها صليب الحب و البذل ، مثل صليب المسيح ، الذى تحمل الألم لكى ينقدنا " و ليس حب أعظم من هذا ، أن يضع أحد نفسه عن أحبائه " 00
وهناك صليب آخر فى العطاء ، و أعظم عطاء هو العطاء من العوز ، حيث تفضل غيرك على نفسك ، و تعتاز لكى يأخذ غيرك ، مثلما أعطت الأرملة من أعوازها 00
و هناك أيضاً صليب الإحتمال : تحويل الخد الآخر ، و سير الميل الثانى 0 ليس فقط أن يحتمل الإنسان إساءات الناس إليه ، بل أكثر من هذا أن يحسن إلى هؤلاء المسيئين ، بل أيضاً أن يحبهم ! 00 من يستطيع هذا ؟ 00 إنه صليب 00
هناك صليب آخر فى الجهاد الروحى : فى انتصار الروح على الجسد ، فى احتمال متاعب و حروب العالم و الجسد و الشيطان 00 فى صلب الجسد مع الأهواء 00 فى الإنتصار على الذات ، فى الدخول من البابا الضيق 00
و الصليب هو التألم لأجل البر 0 هذا فقط المبتدئين 00 أما للكاملين فيتحول الصليب إلى لذة و متعة 00
نشعر بضيق البابا فى أول الطريق 0 و لكننا بعد ذلك نجد لذة فى تنفيذ الوصية ، و نحبها 0 و حينئذ لا يصير الطريق كرباً 00 و الصليب الأول يصير متعة 00
كان الإستشهاد صليباً ، ثم تحول إلى متعة 0 و صار القديسون يشتهون الإستشهاد ، و يشتهون الموت ، و يفرحون به 00 و التعب من أجل الرب اصبح لذة و متعة ، و الألم أيضاً 0
و هكذا اعتبر الكتاب أن الألم هبة من الله 00
" وهب لكم ، لا أن تؤمنوا به فقط ، بل أن تتألموا لأجل إسمه " متى يصبح الصليب فى حياتنا متعة ؟
ليس الإيمان هو مجرد عقائد جامدة تحفظها عن ظهر قلب ، من علم اللاهوت و تعليم الكنيسة ، بل الإيمان هو بالحرى يقين داخلى عميق ، و ثقة كاملة بالله و صفاته و عمله
إيماننا بالله ووجوده ورعايته و حفظه ، يعطينا سلاماً داخلياً ،وراحة فى القلب و الفكر ، و اطمئناناً بأن الله مادام موجوداً ، إذن فهو يهتم بنا أكثر مما نهتم بأنفسنا ، لذلك علينا أن نعيش فى هذا السلام و نثبت فيه 0 و الإنسان المؤمن لا يقلق أبداً ، لأن القلق ضد الإيمان ضد الإيمان بمحبة الله و حفظه ورعايته 00
و إذا آمن الإنسان بوجودة الله فى كل مكان ، يشعر فى داخله بقداسة أى مكان يوجد فيه لوجود الله 0 و كما يشعر باطمئنان للوجود فى حضرة الله ، كذلك يشعر بأنه يلزمه التدقيق فى كل تصرفاته ، فالله ينظره و يسمعه و يشاهد كل أعماله
و فى كل خطية ، يقول الإنسان مع يوسف الصديق " كيف أخطئ و أفعل هذا الشر العظيم أما الله " 00 و إيمان الإنسان بأن الله يقرأ أفكاره ، و يعرف خبايا قلبه ، وكل نياته و مشاعره ، هذا الإيمان يمنح الإنسان استحياء فى فكره و فى مشاعره ، خجلاً من الله الذى يفحص كل هذا 00 و إيمان الإنسان بالحياة الأخرى ، و بيوم الدينونة الذى يعطى فيه حساباً عن كل أعماله و أفكاره و مشاعره و أقواله 0 كل هذا يجعله يوقن بفناء العالم ، ووجوب الإستعداد لذلك اليوم الرهيب ، مع العمل من أجل الأبدية التى سيعيشها يعد الموت
و يضع هذا الفكر فى قلبه ، قائلاً مع داود " عرفنى يا رب نهايتى ، و مقدار أيامى كم هى ، لأعلم كيف أنا زائل " ( مز 39 ) 0 إن الإيمان ليس مجرد إقتناع عقلى ، إنما هو عمل داخل القلب ، يقوده فى الحياة كلها 00
و هو ليس لحظة معينة يقبل فيها الإنسان الله ، إنما هو عمل العمر كله ، الذى يعيشه المؤمن فى " الثقة بما يرجى ، و الإيقان بأمور لا ترى " 00 لذلك فإن عبارة تعنى فى غالبية الحالات ، الحياة المسيحية كلها فيها من عقيدة و تصرف 00
الصلاة فى معناها البسيط حديث مع الله 00
و فى معناها الأعمق صلة بالله 00
صلة حب 0 صلة عاطفة 0 قبل أن تكون كلاماً ، و الكلام بدون حب لا معنى له 0
و لهذا يقول الرب معاتباً " لأن هذا الشعب قد اقترب إلى بفمه و أكرمنى بشفتيه و أما قلبه فأبعده عنى " ( أش 29 : 13 ) 0
و لهذا كانت صلاة الأشرار غير مقبولة أمام الله ، بل و مكرهة للرب ، لأنها لا تصدر عن حب ، إلا إن كان شريراً منسحقاً يطلب التوبة كالعشار 0
و قد قال الرب يصلون بغير نقاوة قلب " فحين تبسطون أيديكم أستر عينى عنكم و إن كثرتم الصلاة لا أسمع 0 أيديكم ملانة دماً 00 إغتسلوا تنقول ، إعزلوا شر أفعالكم من أما عينى 0 كفوا عن فعل الشر " ( أش 1 : 15 ، 16 ) 0
الصلاة هى جسر يوصل بين الأرض و السماء 0 شبهوها بسلم يعقوب الواصلة بين السماء و الأرض 0 و الصلاة هى مفتاح السماء ، و هى لغة الملائكة و هى عملها ، و هى حياة الروحيين 0 و الصلاة هى اشتياق النفس للوجود مع الله 0هى اشتياق المحدود إلى غير المحدود ، و اشتياق المخلوق إلى خالقه ، اشتياق الروح إلى مصدرها و إلى شبعها 00 فى الصلاة يرتفع الإنسان يرتفع الإنسان عن مستوى المادة لكى يلتقى مع الله
مقياس نجاح الصلاة ، أنه كلما تود أن تترك و تنتهى لا تستطيع 0 بعكس الإنسان الذى يفرح أنه ختم الصلاة و قال آمين 0
الإنسان الناجح فى صلاته لا يستطيع أن يتركها ، بل ينشد أمام الملائكة أغنيته المحبوبة " أمسكته و لم أرخه " ( نش 3 : 4 ) 0
من ينجح فى الصلاة ، لا يفضل عليها عملاً آخر أيا كان 0 من أجلها هرب القديسون من العالم و الأشياء التى فى العالم 0 و بحثوا عن الهدوء و السكون و أحبوه بكل قلوبهم ينفردوا بالله 0 و الصلاة تعلق بها الإنسان بها الإنسان تصير الصلاة له حياة 0 و تصير حياته صلاة 00 هناك قديس نكتب سيرته الكاملة ( سير حياته ) فى كلمة واحدة و نقول " كانت حياته صلاة " صلاة دائمة غير منقطعة ، صلاة لم يمر وقت تنقطع فيه و لو لحظة يقول فيها العازف سلاه 00 حتى فى نومه لا ينقطع حديثه مع الله ، بالعقل الباطن و فى اللاوعى ، أترى هذا تفسير العبارة " كنت أذكرك على فراشى " ؟ 00
كل ما يطلبه الله منك هو قبلك " يا أبنى أعطنى قلبك " 00 و هو عندما يطلب قلبك ، إنما يطلب حبك 0 و دليل الحب هو البذل 0
ومن هنا كانت الحياة الروحية هى حياة البذل ، بذل كل شئ حتى الحياة ذاتها 0
و مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ 0 لابد أن تترك شيئاً من أجل الله ، لتثبت محبتك لله 0 و يعتبر حبك عظيماً كلما عظم ما تتركه لأجله 0
أنظر إلى إبراهيم أب الآباء ، كيف بدأ علاقته مع الله ؟ 00 بدأها بقول الرب له " أخرج من أرضك ، و من عشيرتك ، و من بيت أبيك ، إلى الأرض التى أريك " ( تك 12 ) 0
و من أجل الله ترك بيت أبيه و أسرته ووطنه 0 فهل أكتفى الله بهذا ؟ كلا لقد قال له حتى فى أرض غربته " خذ إبنك وحيدك ، الذى تحبه إسحق 0 و أصعده هناك محرقة " 00 و أطاع إبراهيم و ذهب ليقدم إبنه 00 موسى أيضا ، من أجل الله ترك الأمارة ، و القصر الملكى ، و الغنى و السيطرة " حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر "
(عب 11 : 26 ) 0
و الرسل قالوا للسيد المسيح " تركنا كل شئ و تبعناك " 00 و قال بولس الرسول " من أجله خسرت كل الأشياء و أنا أحسبها نفاية ، لكى أربح المسيح " ( فى 3 : 8 ) 0
و البذل يصل إلى قمته عندما تبذل كل شئ : كالأرملة التى دفعت الفلسين ، و الأرملة التى أعطت كل طعامها فى المجاعة لإيليا النبى 00 " بع كل مالك ، وتعال أتبعنى ، حاملاً الصليب " الله نفسه أعطانا مثال البذل " هكذا أحب الله العالم ، حتى بذل إبنه الوحيد " ، " ليس لأحد حب أعظم من هذا : أن يضع أحد نفسه من أجل أحبائه " ( يو 15 : 13 ) 0
و الشهداء بذلوا دواتهم " و لم يحبوا حياتهم حتى الموت ، من أجل محبتهم للسيد المسيح
و أنت أيها العزيز 00 ماذا بذلت من أجل المسيح ، الذى من أجلك أخلى ذاته ، و أخذ شكل العبد ، و مات على الصليب ؟ لست أطلب منك الآن أن تبذل من أجله الحياة كالشهداء ( فلهذا الأمر زمان خاص ) و إنما أهم شئ تتركه من أجله هو أن تترك خطاياك المحبوبة 0
الحرفية فى الفضائل تتلفها 00
و الحكمة فى الفضيلى تعطيها معنى قوياً عملياً 00 مثال ذلك فضيلة طول الأناة و الصبر 0
" بصبركم تقتنون أنفسكم " هكذا قال الكتاب ( لو 21 : 19 ) و يمكن بالوقت أن تدرك حلول أمور كثيرة ، و قد تكون العجلة و التسرع حرباً من الشيطان ، و التسرع ايضاً يورث القلق و الإضطراب 0
و مع ذلك فهناك أمور تحتاج إلى بت سريع 00
و بدون سرعة قد ينتهى الأمر كارثة أو ضياع 00 كإفتقاد ، و إنقاذ الخطاة ، و نقل إنسان من مكان معثر ، و حل مشكلة زوجية قبل أن تتفاقم و تصل إلى القضاء ، و معاقبة مخطئ قبل أن يتحول الخطأ فيه إلى عادة ، وقبل أن يصير خطراً على غيره ، و يتجبر فى انحرافه 00 كل ذلك يحتاج إلى سرعة 0 و التوبة أيضاً لا يصلح لها الصبر و الإنتظار 00 إن فضيلة الصبر و طول الأناة وحدها ، لا تفيد بدون الحكمة ، فحرفية الفضيلة لا تصلح 00
كذلك ما أكثر الأخطاء التى نقع فيها ، إن أخذنا فضيلة الوداعة و الهدوء مستقلة عن الحكمة ، و مستقلة عن الحكمة ، و مستقلة عن مراعاة الظروف المحيطة 00
فهناك مواقف من الغيرة المقدسة ، لا يصلح لها الحلم مجرداً ، و لا الوداعة مجردة ، و إنما لهذه الفضيلة شئ من الغضب المقدس 0 و لكن هذا الغضب يجب أن يكون مندمجاً مع الطهارة و نقاوة القلب ، بحيث ينطبق عليه قول الكتاب " إغضبوا و لا تخطئوا " ( مز4 ) 0
لهذا كله يجب أن يوجد تكامل بين الفضيلة ، و لا يصح أن تسير الفضائل فرادى 0
الغيرة تكمل الوادعة ، و الوداعة تكمل الغيرة 0طول الأناة تكمل الحكمة ، و الحكمة تكمل طول الأناة 0 مثلما تتكلم عن صفات الله ، فتقول : الله عادل فى رحمته ، ورحيم فى عدله
عدل الله مملوء رحمة ، ورحمة الله مملوءة عدلاً
فى الله يوجد كمال ، و فى البشر يوجد تكامل 0
أعياد القديسين مجال لتجمعات ضخمة من المؤمنين ، تطلب شفاعة أولئك القديسين ، فى ملء الإيمان :
الإيمان بدالة القديسين عند الله ، و بقبول الله لصلواتهم و شفاعتهم 0 و الإيمان بخلود الروح ، و عملها بعد الموت ، و الصلة الدائمة بين الكنيسة على الأرض و أرواح القديسين الذين انتقلوا 0
و كثيراً ما تحدث معجزات فى هذه الأعياد نتيجة إيمان الناس ، و منح الرب لهم سؤل قلوبهم حسب إيمانهم 0 و كم كان الأجدر بنا تسجيل كل المعجزات التى تحدث فى أعياد القديسين ، تسجيلاً يقوى إيمان الجميع ، و يريهم أن عهد المعجزات لم ينته ابداً ، و لم يقتصر على العصور الأولى 00
و قد انتفعت الكنيسة من هذه التجمعات الضخمة فى أعياد القديسين ، لأقامة نهضات روحية ، و برامج نافعة لتعميق الإيمان ، و قيادة الناس فى حياة الروح 0 فقضت على كل أنواع الملاهى و العبث ، و أقامت القداسات اليومية ، و نظمت إذاعة داخلية فى عيد كل قديس ، تذيع التراتيل و الألحان و العظات و التعاليم الروحية فى نواحى الحياة المختلفة 00
مع تنويع البرامج الروحية ، لتشمل ما يهم العائلات ، و الأطفال ، و الشبان ، و السيدات ، و العمال 00
و توسيع الإستفادة من الوسائل السمعية و البصرية فى عرض الأفلام الدينية المشوقة ، و الشرائح بالفانوس السحرى و ما يستلزم ذلك من بناء القاعات اللازمة لهذا الغرض 00
و كذلك توزع النبذات و المطبوعات النافعة للناس ، و عرض الهدايا التذكارية من صلبان و أيقونات وصور 0
وأصبح الناس يقضون فترات روحية مركزة خلال هذه الأعياد يخرجون منها بحصيلة روحية كبيرة 0
و أعياد القديسين بركة كبيرة ، و بخاصة بعد اهتمام الآباء لأساقفة بها ، فى الكنائس الأثرية التى يقصدها شعبنا ، و يشعر بقدسيتها و تأثيرها الروحى 0
قال السيد المسيح " أبى يعمل حتى الآن ، و أنا أيضاً أعمل " و نود أن نركز على العبارة الأخيرة 00 و قال بولس الرسول عن نفسه و عن زميله أبولس " فإننا نحن عاملان مع الله " ( 1كو 3 : 9 ) 0
إن الله يمكنه أن يعمل كل شئ وحده 0 و لكنه لا يشاء ، إنه يريدك أن تعمل معه 0
و ليس أن تعمل فقط ، بل ايضاً يريدك أن تتعب فى العمل ، مجاهداً ، و هو سيعطى كل واحد أجرته بحسب تعبه ( 1كو 3 : 8 )
و عمل الله ، ليس معناه أن يكسل البشر 00
و هوذا الرب فى سفر الرؤيا يطوب ملاك كنيسة أفسس على عمله و تعبه ، فيقول له : أنا عارف أعمالك ، و تعبك ، و صبرك ، و قد احتملت ، و لك صبر ، و تعبت من أجل إسمى و لم تكل " ( رؤ 2 : 2 ، 3 ) 0
و العمل - بالنسبة إلى الروحانيين - هو شركة مع الله ، شركة مع الروح القدس ، شركة مع الطبيعة الإلهية فى العمل 00 إنه استعداد الإرادة للشركة مع الله بل اشتراكها فعلاً 00 لهذا نحن نقول للرب فى أوشية المسافرين " إشترك فى العمل مع عبيدك " 0
و ليس الإعتماد على الله لوناً من التواكل ز اللامبالاة ، إنما هو شركة فى العمل ، معتمدة على قوة الله 0 و بالعمل يختبر الله مدى محبتنا له ، و مدى طاعتنا 0
و المحبة كما قال القديس يوحنا الرسول " لا تكون بالكلام و لا باللسان ، بل بالعمل و الحق " ( 1يو 3 : 18 ) إن داود النبى مع إيمانه بأن " الحرب للرب " ، و إيمانه بأن الله سيعمل ، و إلا أنه أخذ مقلاعه و حصواته ، تقدم إلى الصف ، أمام جليات00 لذلك إعمل ، وطلب
من الله أن يشترك معك فى العمل 0 و حذار أن تكسل ، فإن الله لا يحب الكسالى 00
عليك أن تغرس و أن تسقى ، و الله هو الذى ينمى 00
حقا تقول فى أتضاع " ليس الغارس شيئاً ، و لا الساقى شيئاً 00 و لكن الله الذى ينمى ما تغرسه و ما تسقيه و ما تتعب فيه 00
هناك نوع من الناس ، يندفع فى طريق ، لا يغيره مهما حدث من متغيرات فى الخارج !
يثبت عليه فى عناد و إصرار ، مهما ثبت له أنه طريق خاطئ ، و لا يؤدى إلى نتيجة !
يظن أن الكرامة فى الثبات ، حتى على الخطأ ، كما فعل هيرودس فى قتل يوحنا المعمدان !
و يظن أن تغيير الطريق نوع من التراجع ، لا يتفق مع القوة ، و لا يتفق مع الصلابة !
إنه لون من العناد ، هذا الذى يسلك فيه البعض ، و لا يغيرون طريقهم مع وضوح ضرره عليهم و على غيرهم ممن يسيرون فى ركابهم 0 و قد يستمر البعض سنوات فى مسلكه و قد تكون خصومة أو قضية ، و تستمر سنوات 00 أو تكون مسألة علاقات ، و يستمر البعض فيها مهما بدا أن هذه العلاقات لا تنتهى بخير 00 أما أنت فراجع طريقك بين الحين و الآخر 00 لا مانع من إعادة تقييم الموقف و ظروفه و ملابساته ، و ما يتوقعه الإنسان من نتائج ، و يرى ما يلزم من تصرف ، يناسب الآن ، و ليس الماضى الذى عاش فيه 00
إن مراجعة الطريق فيها حكمة 00 فليس المهم الثبات فى طريق معين ، إنما المهم أن هذا الطريق يوصل الى الخير المرجو
الطريق هو مجرد وسيلة 0 أما الهدف فهو الغاية 00
إهتم إذن بالهدف و الغاية ، و اختر لهدفك فى كل حين ما يناسبه من طرق 00 كثيرون ضيعوا حياتهم بسبب التشبث و العناد 00 و البعض ضيعوا كثيرين معهم ، بنفس الأسلوب
و غالباً عاش هؤلاء وأولئك بدون إرشاد 00 إعتمدوا على فكرهم ، أو بالحرى على إنفعالاتهم ، فضيعوا الحياة بلا فائدة ، و بغير حكمة 00
كل إنسان معرض للخطأ ، و لكن الإنسان الحكيم يستفيد من أخطائه : يستفيد خبرة روحية ، و معرفة ، و حرصاً حتى لا تخطئ فى المستقبل 0 و فى هذا قال أحد الآباء " " لا أذكر أن الشياطين أطغونى فى خطية واحدة مرتين " 00
و الإنسان الروحى يقتنى من أخطائه تواضعاً 00
فيعرف و يتأكد أنه إنسان ضعيف ، معرض للخطأ مثل باقى الناس ، و معرض للسقوط 0 فلا يتكبر و لا يتعجرف و لا يظن فى نفسه أنه شئ 0 و كما قال بولس الرسول " إذن من يظن أنه قائم ، فلينظر لئلا يسقط " ( 1كو 10 : 12 ) 0 الجاهل إذا أخطأ ، قد يضعف و يستمر فى خطئه ، و يتعود السقوط ، و قد ييأس و يتملكه الحزن و ينهار 0
أما الحكيم ، فإنه بخطيئته يتفهم حيل الشياطين و حروبهم ،
و مداخلهم إلى النفس البشرية ، فيحتاط ، و يكون أكثر تدقيقاً 0 و قد يساعده هذا على إرشاد غيره ، إذ يكون أكثر دراية بالطريق 00
و الإنسان الروحى يستفيد من أخطائه إشفاقاً على الآخرين ،
كما قال الرسول " أذكروا المقيدين ، كأنكم مقيدون ، كأنكم مقيدون معهم 0 و اذكروا المذلين كأنكم أنت أيضاً فى الجسد " ( عب 13 : 3 )
و لهذا فإن الروحى إذا سقط ، يكون أكثر عطفاً على غيره ، لا أكثر إدانه و توبيخاً لأنه يعرف بنفسه مدى قوة الشياطين ، و ضعف النفس البشرية 0
و الإنسان الروحى يستفيد من أخطائه تدرباً على الصلاة ، من أجل نفسه و من أجل غيره ، لأنه يوقن تماماً أن نصره الإنسان لا تعتمد على قوته و مهارته ، إنما على معونة الله الذى يقودنا فى موكب نصرته ، لذلك هو دائما يلتصق بالصلاة ، و يقول للرب " " إسندنى فأخلص " 00 حارب عنى 00
إن الإنسان الباحث عن المنفعة ، كما ينتفع من أخطائه ، ينتفع أيضاً من أخطاء غيره 00
و لهذا سمح الله فى كتاب المقدس أن يذكر لنا أخطاء البعض ، حتى الأنبياء و الصديقين ، لكى ننتفع من أخطائهم 00 إن الله الذى " يخرج من الجافى حلاوة " ، هو أيضاً قادر أن يعطينا من كل خطية درساً نافع الخلاص أنفسنا 00 و هكذا نستفيد من كل أحد نقابله فى حياتنا : من بر الأبرار نستفيد قدوة ، و من خطيتنا و خطايا غيرنا نستفيد خبرة و حرصاً
من صفات الحياة الروحية دوام النمو 00
يبدأ الإنسان علاقته مع الله بالتوبة ، ثم ينمو من مخافة الرب حتى يصل إلى محبته ، ثم ينمو فى الحب حتى يصل إلى القداسة ، كما قال الكتاب " كونوا أنتم أيضاً قديسين ، فى كل سيرة 0 لأنه مكتوب : كونوا قديسين لأنى أنا قدوس " ( 1بط 1 : 15 ، 16 ) 0
و هل يقف الإنسان عند حد الوصول إلى القداسة ؟ كلا ، و إنما يسعى حتى يصل إلى الكمال
كما قال الكتاب " كونوا أنتم كاملين ، كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل " ( مت 5 : 48 ) 0و الذى يسعى فى طريق الكمال ، لا يدرك له نهاية ، مهما نما و مهما أرتفع 0 فالكمال لا حدود له 00
و هناك درجات فى الكمال كل واحدة أعلى من غيرها 00
هوذا بولس الرسول كان قديساً ، و قد صعد إلى السماء الثالثة ، و صنع آيات و عجائب ، و مع ذلك نراه يقول : " لست أنى قد نلت ، و أصرت كاملاً ، و لكنى أسعى لعلى أدرك 00 أنا لست أحسب نفسى أنى أدركت ، و لكنى أفعل شيئاً ، إذ أنا أنسى ما هو وراء و أمتد إلى قدام " ( فى 3 : 12 ، 13 ) 0 و يختم الرسول قوله عن هذا النمو " فليفتكر هذا جميع الكاملين منا " 00
إذن حتى بالنسبة إلى الكاملين ، ينبغى هم أيضاً أن " يمتدوا إلى قدام " 00
و لقد شبه الرب المؤمن بحبة حنطة ، تصير نباتاً ، و ينمو ، فقال " و البذار يطلع و ينمو ، و هو لا يعلم كيف 0 لأن الأرض من ذاتها تأتى بنمو ، أولاً نباتاً ، ثم سنبلاً ، ثم قمحاً ملآن فى السنبل " ( مر 4 : 27 ، 28 ) 0
فهل أنت مثل النبات ، دائم النمو ، أولاً نباتاً ، ثم سنبلاً ، ثم قمحاً ملآن فى السنبل ؟ 00
حاول أن تنمو ، فالنمو يعطى حرارة دائمة ، ووقوف النمو يوقف الحرارة فى القلب ، فيفتر الإنسان 0
و إن لم تستطع أن تنمو ، على الأقل قف حيث أنت 0 و لكن إحذر ترجع إلى الوراء 0
إنسان بدلاً من أن يفكر فى نتائج عمله قبل أن يقدم على عمله ، تراه يعمل دون تفكير فى العواقب 0 ثم بعد أن يعمل ، يبدأ فى أن يفكر فى نتائج عمله ، بعد أن فاتت الفرصة 0 إنه التفكير الخاطئ المتأخر 00 إنسان آخر ينذر نذراً ، دون يفكر قبل النذر هل باستطاعته الوفاء به أم لا 00 ثم بعد أن يتم النذر يبدأ أن يفكر 00 و يحاول أن يغير أو يبدل ، و أو يعلن عجزه 00 إنه تفكير متأخر ، يحدث بعد وقته المناسب 0
و إمرأة تضيع زوجها ، بنوع من المعاملات يفقدها محبته ، أو طاعة لنصيحة خاطئة من أحد أقربائها 0 و ترفض كل التدخلات للصلح 0 و بعد أن يكرهها زوجها و لا يعود يتصور المعيشة معها ، حينئذ تبدأ تفكر فى أن فقدها لزوجها و لا يعود يتصور المعيشة معها ، حينئذ تبدأ تفكر فى أن فقدها لزوجها ليس من صالحها 00 و لكنه تفكير متأخر يأتى بعد فوات الفرصة 0 و أب لا يربى إبنه تربية حسنة ، و يظن أن التدليل هو دليل الحب و يشب الولد على عدم الطاعة ، و على الإستهتار و اللامبالاة ، و ترشخ فيه هذه الأخطاء كطباع ، و يصبح مرارة قلب لأبيه و أمه و أخوته و لكل المتصلين به 0 و هنا يفكر الأب فى تغيير اسلوبه و استخدام الحزم معه 00 بعد فوات الفرصة 00 و يفشل الأب ، لأن تفكيره جاء متأخراً 0
لا يكفى أن يكون للإنسان فكر صالح ، إنما يجب أيضاً أن يكون هذا الفكر متيقظاً من بدء الطريق ، و لا يأتى بعد فوات الفرصة 00
لقد رجعت العذارى الجاهلات بمصابيحهن إلى الرب ، و لكن بعد أن أغلق الباب 00 و لم يدخلن 0 و قد قامت عذارء النشيد لتفتح الباب لحبيبها ، ولكن بعد أن تحول و عبر 00 لذلك قالت " نفسى خرجت حينما أدبر ، طلبته فما وجدته ، دعوته فما أجابنى " 0كثيرون جاء تفكيرها متأخراً ، فلم يستفيدوا ، و عاشوا فى ندم دائم و حسرة 00 مثلما حدث لعيسو الذى " طلب التوبة بدموع ، و لم تعط له لأنه جاء بعد أن أنتقلت البكورية و البركة إلى يعقوب ، أنتهى الأمر 0
ما أجمل قول المزمور " أنا أستيقظ مبكراً " 0 حقاً " الذين يبكرون إلى يجدوننى " يبكرون فى الفكر 0
لا نريد أن يفاجئك العام الجديد دون أن تستعد لهذه البداية 0 و إنما ننبهك إلى هذا الموضوع من الآن ، لكى تستعد 00
*إجلس أولاً مع نفسك ، لكى تعرف حقيقتها 00
ليس فقط لتعرف أخطاءها ، و إنما بالأكثر لتعرف نقط الضعف الأصلية التى فيها 00 و أسبابها ، و مقوماتها 00
و من واقع هذه الجلسة من نفسك ، أعدد نفسك للإعتراف ، و بخاصة الإعتراف العميق ، الذى يتناول الكليات فى حياتك أكثر من الجزئيات 00 الأصول أكثر من الفروع 00
*و فى نهاية العام ، إدرس ما ينبغى لك ليكون عاماً مقدساً فى كل شئ ، و لكى تقول العبارة الجميلة التى فى مقدمة صلاة باكر فى الأجبية : لنبدأ بدءاً حسناً 00
*أنظر إلى سمات الحياة المسيحية ، الأساسية ، و ليس إلى الفرعيات فى تفاصيل الحياة اليومية :
ما مركز محبة الله فى حياتك ؟
ما مركز الإيمان ؟ الوداعة ؟ التواضع ؟ الرجاء ؟
ما مدى عمق علاقتك بالله ؟
أدخل إلى العمق 0 لا تكن سطيحاً فى روحياتك و لا تكن سطيحاً فى محاسبتك لنفسك 0
*بل أنظر إلى حياتك كلها ، ومدى تطورها 00
ما مسير الخط الروحى فى حياتك ؟ هل أنت سائر فى خط واضح ثابت ، تتقدم فيه و تنمو ، يوماًً بعد يوم ؟ أم هناك تغير ، و تحول ، و انحراف عن المسيرة المقدسة ، و أشياء جديدة دخلت إليك ما كان يجب أن تدخل ؟!
*ونصيحة أساسية ، أقولها لك لتجلس هى ايضاً معك فى جلستك مع نفسك و مع الله :
كن صريحاً مع نفسك إلى أبعد حد 00 و حاذر من أن تبرر نفسك ، أو أن تضع لها أعذاراً
و تلقى بالملامة على غيرك أو على الظروف ! إن الله سوف لا يسألك من اليوم الأخير عن الظروف أو عن الغير ، إنما سيسألك عن نفسك 00
فادخل إذن إلى نفسك ، نفسك و ليس سواها 0
كن أميناً فى القليل ، يقيمك الله على الكثير 00
كن أميناً فى الشئ الذى تستطيعه ، حينئذ يقيمك الله على ما لا تستطيعه 00
كن أميناً على ضبط أفكارك فى حالة الصحو 00 و حينما يرى الله أمانتك ، يقيمك على الأحلام التى تأتيك بغير إرادتك و ليس لك تحكم فيها 00
كن أميناً على الوزنة الواحدة ، فيعطيك الله العشر وزنات ، أو أجر من أقيم على العشر وزنات 0
كن أميناً من جهة الحروب التى تحاربك من الخارج ، حينئذ يقيمك الله على ينابيع التأملات و الروحيات التى تنبع فى فكرك و قلبك من الداخل 0
كن أميناً من جهة إخلاصك لليئة ، يقيمك الله على راحيل 0 تشفق على إبن هاجر ، يعطيك الرب إبناً لسارة 0 تخلص فى برية سيناء ، حينئذ يدخلك إلى كنعان
تكون أميناً فى بيت فوطيفار ، فيقيمك الله على قصر فرع